الأربعاء، 31 أكتوبر 2012

القراءة والكتابة تثير في القلب كوامن العواصف ومكامن الذكريات، وتهيج علينا فظائع الوقائع

خلال مطالعاتى لثورة 1919 وما بعدها فى مصر، بدا لى أن أدرس مسألة جذبنى إليها طرفاتها، وهى كيف تحولت الثورة إلى نظام، وما هى الآليات وأنواع الصراع التى جرت فى هذا التحول، وقد ظهر أن جهاز دولة عميق الجذور والسلطات كالجهاز المصرى إنما يشبه القلعة، ومن يحكم القلعة من الناحية التنظيمية إنما يترجح نجاحه فى حكمها وإحكام السيطرة عليها بقدر ما يكون من رجالها، وإن القلعة من خصائصها أن من دخلها من خارجها إما

أن يسيطر عليها فتدافع عنه وتحميه وإنما أن تسجنه فيصير حبيسا بها، وهذا ما فسر لنا تردد سعد زغلول زعيم الثورة والسياسى ورجل الدولة المخضرم، فى قبول الحكم بعد أن حصل حزبه على 90٪ من مقاعد المجلس النيابى، ثم استقالته بعد عشرة أشهر فقط، وهو لم يصنع شيئا خلال هذه الأشهرة العشرة، وإنما كان يتصرف كما لو كان لا يزال فى المعارضة فيعلن موافقته واعتراضه ومواقفه دون أن يتخذ إجراء عمليا. والقلعة إما أن تحمى أو تحبس حسب نوع العلاقات التى تقوم بين من دخلها وبين رجالها. وإن أجهزة الدولة تملك مد رئيسها بالمعلومات التى يتخذ قراراته على أساسها وهى من يملك طريقة تنفيذ قراراته، وبهذين الأمرين تكون أحاطت بالسيد الرئيس.

قال ابن خلدون رحمه الله فى «المقدمة»: «فإذا ابتليت بمثل ذلك، وعرض لك ارتباك فى فهمك، أو تشغيب بالشبهات فى ذهنك، فاطرح ذلك، وانتبذ حجب الألفاظ وعوائق الشبهات، واترك الأمر الصناعى جملة، واخلص إلى فضاء الفكر الطبيعى الذى فطرت عليه، وسرِّح نظرك فيه، وفرِّغ ذهنك له، للغوص على مرامك منه، واضعاً لها حيث وضعها أكابر النظار قبلك، متعرضاً للفتح من الله، كما فتح عليهم فى ذهنهم من رحمته، وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون، فإذا فعلت ذلك، أشرقت عليك أنوار الفتح من الله، بالظفر بمطلوبك» إلى آخر كلام ابن خلدون، فعليكم بالهدوء يرحمكم الله.